ومن رحمته: أن نَغّص عليهم الدنيا وكدَّرها، لئلَّا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النّعيم المُقيم في داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنَعهم ليُعطيَهُمْ، وابتلاهُم ليُعافيَهُمْ، وأماتهم ليُحْييَهُمْ.
ومن رحمته بهم: أن حذَّرهم [١٣١ ب] نفسه، لئلا يغترّوا به، ويعاملوه بما لا تَحْسُنُ معاملته به، قال الله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران: ٣٠].
قال غير واحد من السلف: من رأفته بالعباد حذّرهم الله من نفسه، لئلا يغتروا به (١).
فصل
ولما كان تمام النعمة على العبد إنما هو بالهدى والرحمة، كان لهما ضدان: الضلال والغضب.
فأمرنا الله سبحانه أن نسأله كل يوم وليلةٍ مراتٍ عديدةً: أن يهدينا صراط الذين أنعم عليهم، وهم أولو الهُدى والرحمة، ويُجنّبنا طريق المغضوب عليهم وهم ضد المرحُومين، وطريق الضالين وهم ضد المهتدين، ولهذا كان هذا الدعاء من أجمع الدعاء، وأفضله، وأوجبه.
وبالله التوفيق.
(١) روى عبد الرزاق في تفسيره (١/ ١١٨) ــ ومن طريقه الطبري في تفسيره (٦٨٤٤) ــ عن ابن عيينة عن عمرو عن الحسن البصري قال: «مِن رأفته بهم أن حذّرهم نفسَه»، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣٣/ ٩٨) من طريق الفضيل بن عياض عن الحسن، وعزاه في الدر المنثور (٢/ ١٧٧) لابن المنذر.