دُبُرٍ، واشتعلت في قلبه نيران الحسد المتين، فعارض النص بالمعقول بزعمه، كفعل أوليائه من المبطلين، وقال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: ١٢]، فأعرض عن النصّ الصريح، وقابله بالرأي الفاسد القبيح، ثم أردف ذلك بالاعتراض على العليم الحكيم، الذي لا تجدُ العقول إلى الاعتراض على حكمته سبيلًا، فقال:{أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: ٦٢].
وتحت هذا الكلام من الاعتراض معنى: أخبرني لِمَ كرّمتَه؟
وغَوْرُ هذا الاعتراض: أن الذي فعلتَهُ ليس بحكمة ولا صواب، وأن الحكمة كانت تقتضي أن يسجد هو لي، لأن المفضول يخضع للفاضل، فلم خالفتَ الحكمة؟
ثم أردف ذلك بتفضيل نفسه عليه وإزرائه به، فقال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}.
ثم قرَّر ذلك بحجَّته الداحضة، في تفضيل مادَّته وأصله على مادة آدم عليه السلام وأصله، فأنتجت له هذه المقدِّمات إباءه وامتناعه من السجود، ومعصية الرب المعبود، فجمع بين الجهل والظلم، والكِبْرِ والحسد والمعصية، ومعارضة النص بالرأي والعقل.
فأهانَ نفسَه كلَّ الإهانة من حيث أراد تعظيمها، ووضعها من حيث أراد رفعتها، وأذلَّها من حيث أراد عزتها، وآلمها كلّ الألم من حيث أراد لذتها، ففعل بنفسه ما لو اجتهد أعظمُ أعدائه في مَضَرّته لم يبلغ منه ذلك المبلغَ، ومن كان هذا غِشَّه لنفسه فكيف يسمع منه العاقل ويقبل ويواليه؟