للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرُ من كبار القوم (١): ما على الخلق أضرُّ من الخالق.

وكان بعضهم يتمثل:

إذَا كَانَ هذَا فِعْلَهُ لِمُحِبِّهِ ... فمَاذا تُرَاهُ في أَعَادِيهِ يَصْنَعُ (٢)

وأنت تشاهد كثيرًا من الناس إذا أصابه نوعٌ من البلاء يقول: تُرى ما كان ذنبي حتى فَعَلْتَ بي هذا؟

وقال لي غير واحد: إذا تبتُ إليه، وأنَبْتُ وعملتُ صالحًا، ضيّق عليّ رزقي، ونَكّد عليَّ معيشتي، وإذا راجَعْتُ معصيته، وأعطيتُ نفسي مُرادها، جاءني الرّزْقُ والعَوْنُ، أو نحو هذا.

فقلت لبعضهم: هذا امتحان منه، ليَرى صِدْقك وصَبرك، وهل أنتَ صادقٌ في مجيئك إليه، وإقبالك عليه، فتصبر على بلائه، فتكون لك العاقبةُ، أم أنت كاذبٌ، فترجع على عقبك.

وهذه الأقوال والظنون الكاذبةُ الحائدة عن الصواب مَبْنيَّةٌ على مُقدِّمتين:

إحداهما: حُسْنُ ظَنّ العبد بنفسه ودينه، واعتقادُه أنه قائمٌ بما يجبُ عليه، وتارك ما نُهيَ عنه، واعتقادُه في خَصْمه وعَدُوّه خلاف ذلك، وأنه تارك للمأمور، مرتكب للمحظور، وأنه نفسه أولَى بالله ورسوله ودينه منه.

والمقدمة الثانية: اعتقاده (٣) أن الله سبحانه وتعالى قد لا يُؤَيِّد صاحبَ


(١) هو أبو طالب المكي، كما في تاريخ بغداد (٣/ ٨٩)، والبداية والنهاية (١٥/ ٤٦٧).
(٢) لم أجد البيت فيما بين يدي من المصادر.
(٣) «اعتقاده» ساقطة من م.