للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالشفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل شفيع بإذنه.

والفرق بين الشفيعين كالفرق بين الشريك والعبد المأمور.

فالشفاعة التي أبطلها شفاعة الشريك؛ فإنه لا شريك له، والتي أثبتها شفاعة العبد المأمور، الذي لا يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له، ويقول: اشفع في فلان، ولهذا كان أسعدُ الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد، الذين جرّدُوا التوحيد وخلّصوه من تعلّقات الشرك وشوائبه، وهم الذين ارتضى الله سبحانه.

قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨]، وقال: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: ١٠٩].

فأخبر أنه لا يحصل يومئذٍ شفاعة تنفع؛ إلا بعد رضاهُ قول المشفوع له، وإذنه للشافع. فأما المشرك فإنه لا يرتضيه، ولا يرضى قوله، فلا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه؛ فإنه سبحانه علّقها بأمرين: رضاه عن المشفوع له، وإذنه للشافع، فما لم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة.

وسِرُّ ذلك أن الأمر كله لله وحده، فليس لأحد معه من الأمر شيء، وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده هم الرسل والملائكة المقربون، وهم عبيد محضٌ، لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدمون بين يديه، ولا يفعلون شيئًا إلا بعد إذنه لهم وأمرهم، ولاسيما يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا، فهم مملوكون مربوبون، أفعالهم مقيدة بأمره وإذنه، فإذا أشرك بهم المشرك، واتخذهم شفعاء من دونه، ظنًّا منه أنه إذا فعل ذلك تقدَّموا وشفعوا له عند الله؛ فهو من أجهل الناس بحق الرب سبحانه، وما يجب له، ويمتنع عليه،