للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: فتبيَّن أنّا بأصول الشرع وقواعده أسعدُ منكم، وأن قياس الأصول وقواعد الشرع من جانبنا، وقد تأيدت بالسنة الصحيحة التي ذكرناها.

وقولكم: إن المطلق ثلاثًا قد جمع ما فُسح له في تفريقه، هو إلى أن يكون حجةً عليكم أقرب؛ فإنه إنما أُذن له فيه ومُلِّكَهُ مفرَّقًا لا مجموعًا، فإذا جمع ما أُمر بتفريقه فقد تعدى حدود الله وخالف ما شرعه، ولهذا قال من قال من السلف: رجلٌ أخطأ السنة، فيُردّ إليها. فهذا أحسن من كلامهم وأبين، وأقرب إلى الشرع والمصلحة.

ثم هذا ينتقض عليكم بسائر ما ملّكه الله تعالى العبدَ، وأذِن فيه مُفرّقًا فأراد أن يجمعه، كرَمْي الجمار الذي إنما شُرعَ له مفرّقًا، واللعان الذي شرع كذلك، وأيمان القسامة التي شرعت كذلك.

ونظير قياسكم هذا: أن له أن يُؤخِّر الصلوات كلها ويُصلِّيها في وقتٍ واحدٍ؛ لأنه جمع ما أُمر بتفريقه! على أن هذا قد فهمهُ كثير من العوام، يؤخرون صلاة اليوم إلى الليل، ويصلُّون الجميع في وقت واحد، ويحتجُّون بمثل هذه الحجة بعينها، ولو سكتُّم عن نُصرة المسألة بمثل ذلك لكان أقوى لها.

فصل

فاستَروحَ بعضُهم إلى مسلك آخر غير هذه المسالك، لمّا تبين له فسادها، فقال: هذا حديث واحد، والأحاديث الكثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دالّة على خلافه، وذكروا أحاديث:

منها: ما في «الصحيحين» (١) عن فاطمة بنت قيس: أن أبا حَفْص بن


(١) أخرجه مسلم (١٤٨٠)، ولم يخرجه البخاري.