طَوْرٌ آخر وراء طَوْرِ العقل، وأن عقول الرّسل وحِكمتهم فوق عُقول العالمين وحكمتهم.
وكانوا لا يتكلمون في الإلهيات، ويُسْلِمون باب الكلام فيها إلى الرُّسل، ويقولون: علومُنا إنما هي الرياضيات والطبيعيات وتوابعها، وكانوا يُقِرُّون بحدوث العالم.
وقد حكى أرباب المقالات أن أول من عُرف عنه القولُ بقدم هذا العالم: أرسطو، وكان [١٥١ ب] مُشركًا يعبد الأصنام، وله في الإلهيّات كلامٌ كله خطأ من أوله إلى آخره، قد تَعقبّه بالردّ عليه طوائف المسلمين، حتى الجهميّةُ، والمعتزلة، والقدرية، والرافضة، وفلاسفة الإسلام، أنكروه عليه، وجاء فيه بما يسخر منه العقلاء.
وأنكر أن يكون الله سبحانه يعلم شيئًا من الموجوادت، وقَرّر ذلك بأنه لو علم شيئًا لكَمَلَ بمعلوماته، ولم يكن كاملًا في نفسه، وبأنّه كان يَلحقه التعب والكَلالُ من تصور المعلومات.
فهذا غاية عقل هذا المعلم الأستاذ. وقد حكى ذلك أبو البركات، وبالغ في إبطال هذه الحجج وردِّها.
فحقيقة ما كان عليه هذا المعلم لأتباعه: الكفرُ بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ودَرج على أثره أتباعُهُ من الملاحدة، ممن يتستّر باتِّباع الرسل، وهو مُنْحَلٌّ من كلّ ما جاءوا به.
وأتباعه يعظِّمونه فوق ما يعظِّم به الأنبياء، ويرون عَرْضَ ما جاءت به الرسل والأنبياء على كلامه، فما وافقه منها قبلوه، وما خالفه لم يَعْبأُوا به شيئًا.