للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن جرير (١): ذَكّرهم الله سبحانه [١٦٤ ب] بذلك اختلافَ آبائهم، وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم، مع كثرة معاينتهم من آيات الله ما يُثلَجُ بأقلِّها الصدورُ، وتطمئن بالتصديق معها النفوسُ، وذلك مع تتابع الحجج عليهم، وسُبوغ نِعَم الله تعالى لديهم، وهم مع ذلك مرة يسألون نبيّهم أن يجعل لهم إلهًا غير الله، ومرة يعبدون العجلَ من دون الله، ومرة يقولون: لا نُصَدّقك حتى نرى الله جَهْرة، وأخرى يقولون له إذا دُعُوا إلى القتال: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤]، ومرة يقال لهم: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} [الأعراف: ١٦١] فيقولون: «حنطةفي شعرة»، ويدخلون من قِبَل أسْتاههم، ومرة يُعرض عليهم العمل بالتوراة، فيمتنعون من ذلك، حتى نَتَقَ الله تعالى عليهم الجبلَ كأنه ظُلّة، إلى غير ذلك من أفعالهم، التي آذوا بها نبيّهم، التي يكثر إحصاؤها.

فأعلم ربنا تبارك وتعالى الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل، الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم لن يَعْدُوا أن يكونوا في تكذيبهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وجحودهم نبوته، وتركهم الإقرار به وبما جاء به، مع علمهم به، ومعرفتهم بحقيقة أمره: كأسلافهم وآبائهم الذين قصّ الله علينا قصصهم.

قال محمد بن إسحاق (٢): لما رجع موسى إلى قومه، فرأى ما هم فيه من عبادة العجل، وقال لأخيه وللسامري ما قال، وحرّق العجل وذَرّاه في


(١) تفسيره (١/ ٢٨٩).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٩٥٧، ١٥١٥٣).