للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالقلب الطاهر ــ لكمال حياته ونوره وتخلُّصه من الأدران والخبائث ــ لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائقه، ولا يتداوى إلا بأدويته، بخلاف القلب الذي لم يُطهِّره الله، فإنه يتغذى من الأغذية التي تناسبه، بحسب ما فيه من النجاسة، فإن القلب النجس كالبدن العلىل المريض، لا تلائمه الأغذية التي تلائم الصحيح.

ودلت الآية على أن طهارة القلب موقوفة على إرادة الله، وأنه سبحانه لما لم يُرِد أن يُطهِّر قلوب القائلين بالباطل المحرِّفين للحق لم يحصل لها الطهارة.

ولا يصحُّ أن تفسَّر الإرادة هاهنا بالإرادة الدينية، وهي الأمر والمحبة، فإنه سبحانه قد أراد ذلك لهم أمرًا ومحبة، ولم يرده منهم كونًا؛ فأراد الطهارة لهم، ولم يُرِدْ وقوعها منهم؛ لما له في ذلك من الحكمة التي فَواتُها أكرهُ إليه من فوات الطهارة منهم.

وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا الكبير في القَدَر (١).

ودلت الآية على أن من لم يُطهِّر الله قلبه فلا بد أن يناله الخِزْيُ في الدنيا والعذاب في الآخرة، بحسب نجاسة قلبه وخبثه، ولهذا حرّم الله سبحانه


(١) هو «شفاء العليل»، انظر الباب التاسع والعشرين منه في انقسام القضاء والإرادة إلى كونيّ متعلق بخلقه، وإلى ديني متعلق بأمره.