للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طرحَ نفسه فيها، فضجَّ الحاضرون ضَجّةً واحدةً بالدعاء له، وغِبْطةً على ما فعل، فلم يلبث إلا يسيرًا، حتى يأتيهم الشيطان في صورته وشكله وهيأته، لا ينكرون منه شيئًا، فيأمرهم بأمره، ويوصيهم بما يوصيهم به، ويوصيهم بالتمسُّك بهذا الدين، ويخبرهم أنه صار إلى جَنّة ورياض وأنهار، وأنه لم يتألم بمسّ النار له، فلا يَهولنَّهم ذلك، ولا يمنعنَّهم عن أن يفعلوا مثله.

ومنهم: زُهّاد وعبَّاد، يجلسون حول النار صائمين عاكفين عليها.

ومن سُنّتهم: الحث على الأخلاق الجميلة، كالصدق، والوفاء، وأداء الأمانة، والعفة، والعدل، وترك أضدادها، ولهؤلاء شرائعُ في عبادتها ونواميس وأوضاع لا يُخِلّون بها.

فصل

ومن كَيده وتلاعبه: تلاعبه بطائفة أخرى تَعْبُدُ الماء من دون الله، وتُسَمّى الحلبانية. وتزعم أن الماء لما كان أصل كل شيء، وبه كلُّ ولادة ونموّ ونشوء، وطهارة وعمارة (١)، وما من عمل في الدنيا إلا ويحتاج إلى الماء، فكان حقه أن يُعبَد.

ومن شريعتهم في عبادته: أن الرجل منهم إذا أراد عبادته تجرَّد، وستر عورته، ثم دخل فيه، حتى يصير إلى وسطه، فيقيم هناك ساعتين، أو أكثر، بقدر ما أمكنه، ويكون معه ما يمكنه أخذه من الرياحين، فيقطعها صغارًا، فيلقيها فيه شيئًا فشيئًا، وهو يُسبّحه ويمجِّده، فإذا أراد الانصراف حرك الماء بيديه، ثم أخذ منه، فيضعه على رأسه ووجهه وجسده، ثم يسجد وينصرف.


(١) م: «عبادة». والمثبت من باقي النسخ.