فأخبر سبحانه أن عموم قُدْرته ومُلْكِه وتَصرّفه في مملكته وخَلقِه لا يمنعه أن يَنْسَخَ ما يشاء، ويُثْبتَ ما يشاء، كما أنه [١٦٩ أ] يمحو من أحكامه القَدَريّة الكونية ما يشاء ويُثبتُ، فهكذا أحكامُه الدينية الأمْرية، ينسخُ منها ما يشاء، ويُثبتُ منها ما يشاء.
فمن أكفر الكفر، وأظلم الظلم: أن يُعارَض الرسول الذي جاء بالبينات والهدى، وتُدْفَع نُبُوّتُه، وتُجْحَد رسالته، بكونه أتى بإباحة بعض ما كان مُحَرّمًا على مَنْ قَبْله، أو بتحريم بعض ما كان مباحًا لهم. وبالله التوفيق، يُضلّ مَنْ يشاء ويهدي من يشاء.
ومن العجب أن هذه الأمة الغضبية تَحجُر على الله تعالى أن ينسخ ما يشاء من شرائعه، وقد تركوا شريعة موسى عليه السلام في أكثر ما هم عليه، وتمسّكوا بمَا شرعه لهم أحبارهم وعلماؤهم.
فمن ذلك: أنهم يقولون في صلواتهم ما ترجمته هكذا: «اللهم! اضربْ ببُوق عظيم لفيفنا، واقْبضنا جميعًا من أربعة أقطار الأرض إلى قُدُسِك، سبحانك يا جامع شتاتِ قومه إسرائيل».
ويقولون كل يوم ما ترجمته هكذا: «ارْدُد حُكَّامنا كالأولين، ومشيرينا كالابتداء، وابْنِ أورشَليم قرية قُدْسِك في أيامِنا، وأَعِزَّنا ببنيانها (١)، سبحانك يا باني يُورشليم».