للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبادر إلى مُداواة الجُرْح، فقام كأنْ لم يكُن به قَلَبَةٌ.

بُلي العدوّ بالذنب فأصرّ، واحتج وعارَض الأمر، وقَدَح في الحكمة، ولم يسأل الإقالة، ولا ندم على الزّلّة. وبُلي الحبيبُ بالذنب، فاعترف وتاب وندم، وتضرّع واستكان وفَزِع إلى مَفْزَع الخليقة، وهو التوحيد والاستغفار، فأُزيل عنه العَيبُ، وغُفر له الذنب، فقُبل منه المتاب، وفُتح له من الرحمة والهداية كلُّ باب. ونحن الأبناء، ومن أشبه أباه فما ظلم، ومَنْ كانت شِيمتُهُ التوبة والاستغفار فقد هُدي لأحسن الشيم.

فصل

ثم كاد أحدَ وَلَدَيْ آدم، ولم يَزل يتلاعبُ به حتى قتلَ أخاه، وأسخَطَ أباهُ، وعصَى مولاه، فَسَنّ للذرية قتل النفوس، وقد ثبت في «الصحيح» (١) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما مِنْ نفسٍ تُقتلُ ظلمًا إلا كان على ابنِ آدمَ الأوّلِ كِفْلٌ من دَمِها، لأنه أوّلُ مَنْ سَنَّ القتل».

فكاد العدوّ هذا القاتل بقطيعة رحمه، وعقوق والديه، وإسخاط ربّه، ونقص عَدَدِه (٢)، وظلم نفسه، وعَرّضه لأعظم العقاب، وحَرَمَه حظّه من جزيل الثواب.

فصل

ثم جرى الأمرُ على السداد والاستقامة، والأمّة واحدةٌ، والدينُ واحدٌ، والمعبود واحد، قال تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا


(١) أخرجه البخاري (٣٣٣٥) ومسلم (١٦٧٧) عن ابن مسعود.
(٢) م، ح: «وبغض عدوه». والمثبت من الأصل، ت، ظ. ومحلها في ش ساقط.