للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: إن آلهتهم خلقت السماوات والأرض، وإنها تحيي وتميت، [١٩ أ] وإنما سوَّوها (١) به في محبتهم لها، وتعظيمهم لها، وعبادتهم إياها، كما ترى عليه أهل الإشراك ممن ينتسب (٢) إلى الإسلام.

ومن العجب أنهم يَنْسُبون أهل التوحيد إلى التنقُّص بالمشايخ والأنبياء والصالحين، وما ذنبهم إلا أن قالوا: إنهم عبيد، لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وإنهم لا يشفعون لعابديهم أبدًا، بل قد حرَّم الله شفاعتَهم لهم، ولا يشفعون لأهل التوحيد إلا بعد إذن الله لهم في الشفاعة، فليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، والشفاعة كلها له سبحانه، والولاية له، فليس لخلقه من دونه ولي ولا شفيع.

فالشرك والتعطيل مبنيَّان على سوء الظن بالله، ولهذا قال إمام الحنفاء عليه السلام لخصمائه من المشركين: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: ٨٦، ٨٧]، وإن كان المعنى: ما ظنكم به أن يعاملكم ويجازيكم به، وقد عبدتم معه غيره، وجعلتم له نِدًّا؟ فأنت تجد تحت هذا التهديد: ما ظننتم بربكم من السوء حتى عبدتم معه غيره؟

فإن المشرك إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يُدبِّر أمرَ العالم معه من وزير أو ظهير أو عون، وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته، وكلُّ ما سواه فقير إليه بذاته، وإما أن يظن أنه سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك، وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يُعْلِمَهُ الواسطة، أو لا


(١) الأصل: «ساووها».
(٢) في بعض النسخ: «ينسب».