حصول ضررٍ لا يحتمله، وفواتِ مَنْفعة لابُدّ له منها: لم يُقدِم على احتمال هذا الضرر، ولا تفويت تلك المنفعة.
فسبحان الله! كم صَدّت هذه الفتنة الكثير من الخلق بل أكثرهم عن القيام بحقيقة الدين؟
وأصلها ناشيءٌ من جَهْلين كبيرين: جهل بحقيقة الدِّين، وجهل بحقيقة النّعيم الذي هو غايةُ مطلوب النفوس وكمالها، وبه ابتهاجُها والتذاذُها، فيتولّدُ من بين هذين الجهلين: إعراضُهُ عن القيام بحقيقة الدِّين، وعن طلب حقيقة النعيم.
ومعلومٌ أن كمال العبد هو بأن يكون عارفًا بالنعيم الذي يطلُبُه، والعمل الذي يُوصلُ إليه، وأن يكون مع ذلك فيه إرادة جازمة لذلك العمل، ومحبّةٌ صادقة لذلك النعيم، وإلا فالعلمُ بالمطلوب وطريقه لا يُحَصّله إن لم يقترن بذلك العملُ، والإرادةُ الجازمة لا تُوجِب وجودَ المراد إلا إذا لازمها الصبر.
فصارت سعادةُ العبد وكمالُ لذّته ونعيمه موقوفًا على هذه المقامات الخمسة: علمه بالنعيم المطلوب، ومَحبّته له، وعلمه بالطريق الموصل إليه، وعمله به، وصبره على ذلك.
قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ١ ـ ٣].
والمقصود أن المقدمتين اللّتين بُنِيتْ عليهما هذه الفتنة، أصلهما الجهل بأمر الله ودينه، وبوَعْده ووعيده.
فإن العبدَ إذا اعتقدَ أنه قائمٌ بالدِّين الحقّ فقد اعتقد أنه قد قام بفعل