قال ابن زيد (١): ينادي منادٍ يوم القيامة، حين يجتمع الخلائق:{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ}[الصافات: ٢٥]، قال: مَن عبد من دون الله لا ينصرُ اليوم مَنْ عبده، والعابد لا ينصرُ إلهه، {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات: ٢٦].
فهذا حال عُبَّاد الشيطان يوم لقاء الرحمن، فوا سُوءَ حالهم حين امتيازهم عن المؤمنين! إذا سمعوا النداء: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس: ٥٩ ـ ٦٢].
فصل
ومن تلاعبه وكيده: تلاعُبه بالثّنَويّة.
وهم طائفة قالوا: الصانع اثنان، ففاعل الخير نورٌ، وفاعل الشر ظُلْمَةٌ، وهما قديمان، لم يزالا، ولن يزالا قويَّين حاسَّين، مدركينِ، سميعينِ، بصيرين، وهما مختلفان في النفس والصورة، متضادّان في الفعل والتدبير.
فالنور: فاضل، حسن، نقيٌّ، طيِّب الريح، حسن المنظر، ونفسه خيّرة، كريمة، حكيمة، نفّاعة، منها الخيراتُ، والمسرَّاتُ، والصلاح، وليس فيها شيء من الضرر، ولا من الشر.
والظلمة على ضد ذلك: من الكَدَرِ، والنقص، ونَتْنِ الرّيح، وقُبْحِ المنظر، ونفسها نفسٌ شريرة، بخيلة، سفيهة، منتنة، مُضِرَّة، منها الشر والفساد.
(١) رواه الطبري في تفسيره (١٩/ ٢٥١)، وابن أبي حاتم في تفسيره (١٥٠٤٢).