للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الإمام أبو بكر الطرطوشى في خطبة كتابه في تحريم السماع (١):

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، ونسأل الله أن يُرِينا الحق حقًّا فنتبعه، والباطل باطلاً فنجتنبه، وقد كان الناس فيما مضى يستسرُّ أحدهم بالمعصية إذا واقعها، ثم يستغفر الله ويتوب إليه منها، ثم كثر الجهل، وقلّ العلم، وتناقص الأمر، حتى صار أحدهم يأتي المعصية جِهارًا، ثم ازداد الأمر إدبارًا، حتى بلغنا أن طائفة من إخواننا المسلمين ــ وفقنا الله وإياهم ــ استزَلَّهُم الشيطان، واستغوى عقولهم في حب الأغاني واللهو، وسماع الطّقْطَقَة والنقير، واعتقدتْه (٢) من الدين الذي يُقرِّبهم إلى الله، وجاهرت به جماعة المسلمين، وشاقَّت سبيل المؤمنين، وخالفت الفقهاء والعلماء وحملةَ الدين، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥]، فرأيت أن أُوضح الحقّ، وأكشف عن شُبه أهل الباطل، بالحجج [٦٤ ب] التي تضمّنها كتاب الله وسنة رسوله، وأبدأ بذكر أقاويل العلماء الذين تدور الفُتيا عليهم في قاصي الأرض ودانيها، حتى تعلم هذه الطائفة أنها قد خالفت علماء المسلمين في بدعتها، والله ولي التوفيق.

ثم قال: أما مالك فإنه نهى عن الغناء، وعن استماعه وقال: «إذا اشترى جارية فوجدها مُغنية كان له أن يردَّها بالعيب».

وسئل مالك عما يُرخِّص فيه أهل المدينة من الغِناء، فقال: «إنما يفعله عندنا الفُسّاق».


(١) «تحريم الغناء والسماع» (ص ١٥٩ - ١٦٢).
(٢) م: «واعتقد أنه».