أن يقابل أمره بذلك، فلما قال لهم:{أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[البقرة: ٦٧] وتيقّنوا أن الله سبحانه أمره بذلك، أخذوا في التعنُّت بسؤالهم عن عينها ولونها، فلما أُخبروا عن ذلك رجعوا إلى السؤال مرة ثالثة عن عينها، فلما تَعيّنت لهم، ولم يبق إشكالٌ، توقَّفوا في الامتثال، ولم يكادوا يفعلون.
ثم من أقبح جهلهم وظلمهم: قولهم لنبيهم: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}[البقرة: ٧١]، فإن أرادوا بذلك: أنك لم تأتِ بالحق قبل ذلك في أمر البقرة، فتلك رِدّة وكفرٌ ظاهر، وإن أرادوا: أنك الآن بينت لنا البيان التامَّ في تعيين البقرة المأمور بذبحها، فذلك جهلٌ ظاهر فإن البيان قد حصل بقوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} فإنه لا إجمال في الأمر، ولا في الفعل، ولا في المذبوح، فقد جاء رسول الله بالحق من أول مرة.
قال محمد بن جرير: وقد كان بعض من سلف يزعم أن القوم ارتدُّوا عن دينهم، وكفروا بقولهم لموسى:{الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}، وزعم أن ذلك نفيٌ منهم أن يكون موسى عليه السلام أتاهم بالحق في أمر البقرة قبل ذلك، وأن ذلك كفر منهم.
قال: وليس الأمر كما قال عندنا لأنهم قد أذعنوا بالطاعة بذبحها، وإن كان قولهم الذي قالوا لموسى جَهْلةً منهم، وهفوةً من هفواتهم.
فصل
ومنها: الإخبار عن قساوة قلوب الأمة وغِلظها، وعدم تمكُّن الإيمان فيها.