للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقف على القبر بعد الدفن فيقول: «سلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل» (١).

فعُلم أنه أحوج إلى الدعاء له بعد الدفن، فإذا كنا على جنازته ندعو له، لا نَدعو به، ونشفع له، لا نستشفع به، فبَعد الدفن أولى وأحرى.

فبدّل أهل البدع والشرك قولًا غير الذي قيل لهم، بدَّلوا الدعاءَ له بدعائه نفسه، والشفاعةَ له بالاستشفاع به، وقصدوا بالزيارة ــ التي شرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحسانًا إلى الميت وإحسانًا إلى الزائر، وتذكيرًا بالآخرة ــ سؤال الميت، والإقسام به على الله، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مُخّ العبادة، وحضور القلب عندها وخشوعه أعظم منه في المساجد، وأوقات الأسحار.

ومن المُحال أن يكون دعاء الموتى أو الدعاء بهم أو الدعاء عندهم مشروعًا وعملًا صالحًا، ويُصرف عنه القرونُ الثلاثة المفضّلة بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يُرْزَقَه الخُلوف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.

فهذه سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل القبور بِضْعًا وعشرين سَنةً، حتى توفاه الله، وهذه سُنّة خلفائه الراشدين، وهذه طريقة جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، هل يُمكنُ بَشرًا على وجه الأرض أن يأتي عن أحد منهم بنقل


(١) رواه أبو داود (٣٢٢٣)، وعبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (٧٧٣)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (٥٨٥)، والبيهقي في الكبرى (٤/ ٥٦)، والضياء في المختارة (٣٨٨) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وصححه الحاكم (١٣٧٢)، وحسنه المنذري كما في البدر المنير (٥/ ٣٣١)، والنووي في المجموع (٥/ ٢٩٢) وفي غيره، وابن القيم في الروح (ص ١٣)، وهو في صحيح الترغيب (٣٥١١).