للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يزل أمرهم يشتد ــ فيما قال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس ــ حتى أدرك نوح، فبعثه الله تعالى نبيًّا، وهو يومئذٍ ابن أربع مئة وثمانين سنةً، فدعاهم إلى الله تعالى في نبوّته عشرين ومئة سنةٍ، فعصوه وكذبوه، فأمره الله تعالى أن يصنع الفلك، ففرغ منها وركبها، وهو ابن ست مئة سنة، وغرق من غرق، ومَكث بعد ذلك ثلاث مئة وخمسين سنة، وكان بين آدم ونوح ألفا سنة [١٣٩ ب] ومئتا سنة، فأهبط الماء هذه الأصنام من أرض إلى أرض، حتى قذفها إلى أرض جُدّة، فلما نضب الماء وبقيت على الشَّطّ فَسَفت الريحُ عليها حتى وارَتْها.

قلت: ظاهر القرآن يدلُّ على خلاف هذا، وأن نوحًا عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وأن الله عز وجل أهلكهم بالغرق بعد أن لبث فيهم هذه المدة.

قال الكلبي (١): وكان عمرو بن لُحَيٍّ كاهنًا، وله رَئِيٌّ من الجنّ، فقال له: عَجِّل المسيرَ والظَّعْنَ من تهامة، بالسعد والسلامة، ائتِ جُدّة، تجدْ فيها أصنامًا معدَّة، فأورِدْها تِهامة ولا تَهَبْ، ثم ادعُ العرب إلى عبادتها تُجَبْ. فأتى نهر جُدّة فاستثارها، ثم حملها حتى وَرَدَ تهامة، وحضر الحجّ، فدعا العرب إلى عبادتها قاطبةً، فأجابه عوفُ بن عُذرَةَ بن زيد اللَّات، فدفع إليه وَدًّا فحمله، فكان بوادي القُرى بدُومة الجَندل، وسمى ابنه عبد وَدّ، فهو أول من سُميّ به، وجعل عوفٌ ابنه عامرًا سادنًا له، فلم يزل بنوه يَسْدُنونه حتى جاء الله بالإسلام.


(١) كتاب الأصنام (ص ٥٤ - ٥٥)، وعنه رواه ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص ٥٠ - ٥١).