للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك من رَفّه بَدَنه وعِرْضه، وآثر راحته على التعب لله وفى سبيله، أتعبه الله سبحانه أضعافَ ذلك في غير سبيله ومرضاته، وهذا أمر يعرفه الناس بالتجارب.

قال أبو حازم (١): لَمَا يَلْقَى الذي لا يتقي الله مِنْ مُعالجة الخلق أعظمُ مما يَلْقى الذي يتقي الله من معالجة التقوى.

واعتبرْ ذلك بحال إبليس، فإنه امتنع من السجود لآدم [١٣٦ ب] فِرارًا أن يخضع له ويذلّ، وطلب إعزازَ نفسه، فصيّره الله أذلّ الأذلِّين، وجعله خادمًا لأهل الفسوق والفجور من ذُرِّيَّته، فلم يرضَ بالسجود له، ورضي أن يَخدِم هو وبَنُوه فُسّاقَ ذرِّيَّته.

وكذلك عُبّادُ الأصنام أنِفُوا أن يتَّبعوا رسولًا من البشر، وأن يعبدوا إلهًا واحدًا سبحانه، ورضُوا أن يعبدوا إلهًا من الأحجار.

وكذلك كلّ من امتنع أن يَذِلّ لله، أو يبذل مالَه في مَرْضاته، أو يُتعِبَ نفسه في طاعته، لابدّ أن يذلّ لمن لا يَسْوَى، ويبذل له ماله، ويُتعب نفسه وبدنه في طاعته ومرضاته عقوبةً له. كما قال بعض السلف (٢): من امتنع أن يمشي مع أخيه خُطُواتٍ في حاجته أمْشاه الله تعالى أكثرَ منها في غير طاعته.

فصل

في خاتمةٍ لهذا الباب هي الغايةُ المطلوبة، وجميع ما تقدّم كالوسيلة إليها.


(١) رواه أبو نعيم في الحلية (٣/ ٢٤٥) بنحوه.
(٢) لم أقف عليه.