إذا كان كلّ عمل فأصله المحبّة والإرادة، والمقصود به التنعّم بالمراد المحبوب، فكل حيٍّ إنما يعمل لما فيه تنعُّمه ولذته، فالتنعُّم هو المقصود الأول من كلِّ قصد وكلّ حركة، كما أن العذاب والتألُّم هو المكروه المقصود أولًا بكلّ بغض وكلّ امتناع وكفٍّ.
ولكن وقع الجهلُ والظلم من بني آدم بجنسين (١): بالدِّين الفاسد، والدُّنيا الفاجرة، طلبوا بهما النعيم، وفى الحقيقة فإنما فيهما ضدّه، ففاتهم النعيم من حيث طلبوه وآثروه، ووقعوا في الألم والعذاب من حيث هربوا منه.
وبيان ذلك: أن الأعمال التي يعملها جميع بني آدم إما أن يتّخذوها دينًا، أو لا يتخذوها دينًا.
والذين يتخذونها دينًا إما أن يكون الدِّين بها دينَ حقٍّ، وإما أن يكون دينًا باطلًا.
فنقول: النعيمُ التامُّ هو في الدِّين الحقّ علمًا وعملًا، فأهلُهُ هم أصحاب النعيم الكامل، كما أخبر الله تعالى بذلك في كتابه في غير موضع، كقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٦، ٧]، وقوله عن المتقين المهتدين بالكتاب:{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[البقرة: ٥]، وقوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي