والفلسفة التي يقرؤها أتباع هؤلاء اليوم: هي مأخوذة عنه وعن إمامه ابن سينا، وبعضُها عن أبي نصر الفارابي، وشيءٌ يَسِيرٌ منها من كلام أرسطو، وهو مع قلته وغَثاتته ورَكَاكة ألفاظه كثير التطويل، لا فائدة فيه.
وخيارُ ما عند هؤلاء: فالذي عند مشركي العرب من كُفار قريشٍ وغيرهم خير منه، فإنهم يدأبون حتى يُثبتوا واجب الوجود، ومع إثباتهم له فهو عندهم وجود مطلق، لا صفة له ولا نعت، ولا فعل يقوم به، لم يخلق السماوات والأرض بعد عدمهما، ولا له قُدرةٌ على فعلٍ، ولا يعلم شيئًا. وعُبّاد الأصنام كانوا يثبتون ربًّا خالقًا، مُبدعًا، عالمًا، قادرًا، حَيًّا، يشركون به في العبادة. فنهاية أمر هؤلاء: الوصولُ إلى شيء بَرّزَ عليهم فيه عُبّاد الأصنام.
وهم فِرق شَتّى لا يُحصيهم إلا الله عز وجل.
وأحصى المعتنون بمقالاتِ الناس منهم اثنتي عشرة فِرقةً، كلُّ فرقة منها مختلفة اختلافًا كثيرًا.
فمنهم: أصحاب الرّواق، وأصحاب الظُّلَّة، والمشاءون، وهم شيعة أرسطو، وفلسفتهم هي الدائرة اليوم بين الناس، وهي التي يحكيها ابن سينا، والفارابي، وابن الخطيب، وغيرهم.
ومنهم: الفيثاغورية، والأفلاطونية.
ولا تكاد تجدُ منهم اثنين متفقين على رأي واحد، بل قد تلاعبَ بهم الشيطانُ كتلاعب الصبيان بالكُرة، ومقالاتُهم أكثر من أن نذكرها على التفصيل.
وبالجملة، فملاحدَتُهم هم أهل التعطيل المحض، فإنهم عَطّلوا الشرائع، وعطلوا المصنوع عن الصانع، وعطَّلوا الصانع عن صفات كماله،