للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخر: مساكين أهل الغفلة! خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيبَ ما فيها (١).

وقال آخر: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف (٢).

ووَجْدُ هذه الأمور وذوقها هو بحسب قوة المحبة وضعفها، وبحسب إدراك جمال المحبوب والقرب منه، وكلما كانت المحبَّةُ أكملَ، وإدراكُ المحبوب أتمَّ، والقربُ منه أوفرَ، كانت الحلاوةُ واللذة والسرور والنعيم أقوى.

فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف، وفيه أرغب، وله أحبَّ، وإليه أقرب= وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يُعْرَفُ إلا بالذوق والوجد. ومتى ذاق القلبُ ذلك لم يُمكِنْه أن يقدّم عليه حبًّا لغيره، ولا أُنسًا به، وكلما ازداد له حبًّا ازداد له عبوديةً وذلًّا، وخضوعًا ورِقًّا له، وحرِّيَّةً عن رقِّ غيره.

فالقلب لا يفلح، ولا يصلح، ولا يتنعَّم، ولا يبتهج، ولا يلتذُّ، ولا يطمئنُّ، ولا يسكن إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه. ولو حصل له جميع ما يلتذُّ به من المخلوقات لم يطمئن إليها، ولم يسكن إليها، بل لا تزيده إلا فاقة وقلقًا، حتى يظفر بما خُلق له، وهُيّئ له، من كون الله وحده نهاية مراده وغاية


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية (٧/ ٣٧٠) والبيهقي في الزهد الكبير (٨٠) والخطيب في الزهد (١١٥) من قول إبراهيم بن أدهم، ومن طريق البيهقي والخطيب رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٦/ ٣٠٢، ٣٠٣، ٣٦٥، ٣٦٦).