للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتحقيق: أن كُلًّا منهما فيه الوصفان [٩ ب] الفضل والرحمة، وهما الأمران اللذان امتنَّ الله بهما على رسوله، فقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: ٥٢]؛ والله سبحانه إنما رفع من رفع: بالكتاب والإيمان، ووضع من وضع: بعدمهما.

فإن قيل: فقد وقع تسمية ذلك تكليفًا في القرآن كقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وقوله: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: ١٥٢].

قيل: نعم، إنما جاء ذلك في جانب النفي، ولم يسمِّ سبحانه أوامره ووصاياه وشرائعه تكليفًا قط، بل سماها روحًا، ونورًا، وشفاءً، وهدًى، ورحمة، وحياة، وعهدًا، ووصية، ونحو ذلك.

الوجه الرابع: أن أفضل نعيم الآخرة وأجَلّه وأعلاه على الإطلاق هو النظر إلى وجه الرب جل جلاله، وسماع خطابه، كما في «صحيح مسلم» (١) عن صُهَيب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنجِزَكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يُبيِّض وجوهَنا؟ ويُثقِّل موازيننا؟ ويُدخِلنا الجنة؟ ويُجِرْنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إليه». وفى حديث آخر: «فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه» (٢).


(١) برقم (١٨١).
(٢) رواه ابن ماجه (١٨٤)، والآجري في التصديق بالنظر (٤٨)، والدارقطني في الرؤية (٦١)، وأبو نعيم في الحلية (٦/ ٢٠٨) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال أبو نعيم: «تفرّد به الفضل الرقاشي، ولم يتابع عليه، وفيه ضعف ولين»، وقال ابن كثير في تفسيره (٣/ ٧٥٩): «في إسناده نظر»، وضعفه الهيثمي في المجمع (٧/ ٢١٨)، وهو في ضعيف الترغيب (٢٢٤٤).