وأعزّ ما صادفه الإسلام من هذه الأمة: يهود خيبر، والمدينة، وما جاورها.
فإنهم إنما قصدوا تلك الناحية لما كانوا وُعِدُوا به من ظهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها، وكانوا يقاتلون المشركين من العرب، فيستنصرون عليهم بالإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ظهوره، ويَعِدُونهم بأنه سيخرج نبيٌّ نتَّبعه، ونقتلكم معه قتلَ عادٍ وإِرَمَ. فلما بعث الله عز وجل نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - سبقهم إليه من كانوا يحاربونهم من العرب، فحملهم الحسد والبغي على الكفر به وتكذيبه.
وأشدُّ ما على هذه الأمة من ذلك ما نالهم من ملوك العصاة، وغيرهم من ملوك الإسرائيليين الذين قتلوا الأنبياء، وبالغوا في تطلُّبهم، وعبدوا الأصنام، وأحضروا من البلاد سَدَنتها ليعلِّموا رسومها في العبادة، وبنوا لها البِيَع والهياكل، وعكفوا على عبادتها، وتركوا أحكام التوراة أعصارًا متصلة.
فإذا كان هذا تواتُر الآفات على دينهم من قبل ملوكهم، فما الظن بالآفات التي نالتهم من غير ملوكهم، وإحراقهم كتبهم، ومنعهم من القيام بدينهم؟
فإن الفرس كثيرًا ما منعوهم من الختان، وكثيرًا ما منعوهم من الصلاة، لمعرفتهم بأن معظم صلاة هذه الطائفة دعاءٌ على الأمم بالبوار، وعلى العالم بالخراب.
فلما رأت هذه الأمة الجِدّ من الفرس في منعهم من الصلاة، اخترعوا أدعية سموها الحَزَّانة، وصاغوا لها ألحانًا، وصاروا يجتمعون في أوقات صلواتهم على تلحينها وتلاوتها، وسمَّوا القائم بها الحَزَّان.