للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا تقرر ذلك، فالله تعالى هو الذي يجب أن يكون هو المقصود المدعوَّ المطلوب، الذي يراد وجهُه، ويُبتغَى قُرْبُه، ويُطلَب رضاه، وهو المُعين على حصول ذلك. وعبودية ما سواه والالتفات إليه والتعلق به هو المكروه الضار، وهو المُعين على دفعه.

فهو سبحانه الجامع لهذه الأمور الأربعة دون ما سواه؛ فهو المعبود المحبوب المراد، وهو المعين لعبده على وصوله إليه وعبادته له، والمكروه البغيض هو بمشيئته وقدرته، وهو المعين لعبده على دفعه عنه، كما قال أعرف الخلق به: «أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك [٨ أ] منك» (١)، وقال: «اللهم إني أسلمتُ نفسي إليك، ووجّهت وجْهي إليك، وفوّضت أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك» (٢)؛ فمنه المنجى، وإليه الملجأ، وبه الاستعاذة من شر ما هو كائن بمشيئته وقدرته، فالإعاذة فعله، والمستعاذ منه فعله أو مفعوله الذي خَلَقَه بمشيئته.

فالأمر كله له، والحمد كله له، والمُلك كله له، والخير كله في يديه، لا يحصي أحد من خلقه ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق كل ما يثني عليه أحد من خلقه، ولهذا كان صلاح العبد وسعادته في تحقيق معنى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥]؛ فإن العبودية تتضمن المقصود المطلوب، لكن على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذى يستعان به على المطلوب،


(١) أخرجه مسلم (٤٨٦) من حديث عائشة.
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٧)، ومسلم (٢٧١٠) من حديث البراء بن عازب.