وكذلك المُقرِضُ لو قال: أقرضتك ألفًا على أن تُعيدها إليّ، ومعها زيادة كذا وكذا، كان حرامًا باطلًا، وذلك نفسُ مقصوده.
وكذلك المحلِّلُ لو قال: تزوجتها على أن أُحِلّها للمطلّق ثلاثًا.
والمعرِّضُ لو صرح بمقصوده لم يكن حرامًا، فأين أحدهما من الآخر؟
وفرق ثالث، وهو أن المعرِّض قصد بالقول ما يحتمله اللفظ أو يقتضيه، والمحتال قصد بالعقد مالا يحتمله، ولا جُعل مقتضيًا له، لا شرعًا، ولا عرفًا، ولا حقيقةً.
وفرق رابع، وهو أن المعرّض مقصدُه صحيح، ووسيلته جائزة، [١١٤ أ] فلا حَجْر عليه في مقصوده، ولا في توسله إلى مقصوده، بخلاف المحتال؛ فإن قصده أمرٌ محرَّم، ووسيلته باطلة، كما تقدم تقريره.
وفرق خامس، وهو أن التعريض المباح ليس من مخادعة الله سبحانه في شيء، وإنما غايته أنه مخادعة لمخلوقٍ أباح الشارع مخادعته لظلمه، جزاءً له على ذلك، ولا يلزم من جواز مخادعة الظالم جوازُ المُحِقّ، فما كان من التعريض مخالفًا لظاهر اللفظ في نفسه كان قبيحًا إلا عند الحاجة، وما لم يكن كذلك كان جائزًا إلا عند تضمُّن مفسدةٍ.
والذي يدخلُ في الحيل المذمومة إنما هو الأول، فالمعرِّض قاصدٌ لدفع الشر، والمحتالُ بالباطل قاصد لدفع الحق.
والتعريضُ كما يكون بالقول يكون بالفعل، كما يُظهرُ المحاربُ أنه يريد وجهًا من الوجوه، ويسافر إلى تلك الناحية، لِيَحْسِب العدوّ أنه لا يريده، ثم يَكُرّ عليه.