للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقلب الميت القاسي: لا يقبله ولا ينقاد له.

والقلب المريض: إن غلب عليه مرضُه التحق بالميت القاسي، وإن غلبت عليه صحته التحق بالسليم.

فما يلقيه الشيطان في الأسماع من الألفاظ، وفي القلوب من الشُّبه والشكوك: فتنةٌ لهذين القلبين، وقوة للقلب الحي السليم؛ لأنه يردُّ ذلك ويكرهه ويبغضه، ويعلم أن الحق في خلافه، فيُخبِت للحق (١) ويطمئن وينقاد، ويعلم بطلان ما ألقاه الشيطان، فيزداد إيمانًا بالحق ومحبة له، وكفرًا بالباطل وكراهة له؛ فلا يزال القلب المفتون في مِرْية من إلقاء الشيطان. وأما القلب الصحيح السليم فلا يضره ما يلقيه الشيطان أبدًا.

قال حُذيفة بن اليمان: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تُعْرَضُ الفِتَنُ عَلَى القلُوبِ كعَرْض الحصِيرِ عُودًا عُودًا، فأَيُّ قَلْبٍ أُشرِبَها نُكِتَتْ فِيه نُكتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْب أنْكَرهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتّى تَعُودَ القُلوبُ عَلَى قَلْبين: قَلْبٍ أَسْوَد مُرْبَادًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعْرِفُ معرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا؛ إِلّا مَا أُشْرِبَ منْ هَوَاهُ، وَقلبٍ أبْيض مثل الصفا، لا تضرُّهُ فِتْنةٌ مَا دَامَتِ السَّماواتُ وَالأرْضُ" (٢).

فشبَّه عرض الفتن على القلوب شيئًا فشيئًا؛ كعرض عيدانِ الحصير ــ وهى طاقاتها ــ شيئًا فشيئًا، وقسَّم القلوب عند عرضها عليها إلى قسمين:

قلب إذا عُرضت عليه فتنة أُشْرِبها، كما يشرب السِّفِنْج الماء، فتُنكَت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يُشرب كل فتنة تعرض عليه، حتى يسودّ وينتكس، وهو معنى قوله: "كالكوز مُجَخِّيًا"؛ أي مكبوبًا منكوسًا، فإذا اسودَّ وانتكس


(١) في الأصل بعده زيادة: "قلبه".
(٢) أخرجه مسلم (١٤٤).