للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وجِماعُ ما ينكرونه علينا: احتياط [٣٩ أ] في فعل مأمور، أو احتياط في تجنب محظور، وذلك خير وأحسن عاقبةً من التهاون بهذين؛ فإنه يُفضِي غالبًا إلى النقص من الواجب، والدخول في المحرَّم، وإذا وازنّا بين هذه المفسدة ومفسدة الوسواس كانت مفسدة الوسواس أخفّ، هذا إن ساعدناكم على تسميته وسواسًا، وإنما نسميه احتياطًا واستظهارًا، فلستم بأسعد منا بالسنة، ونحن حَولها نُدَنْدِن، وتكميلها نريد.

قال أهلُ الاقتصاد والاتباع: قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: ٢١]، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]، وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨]، وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣].

وهذا الصراط المستقيم الذي وصّانا باتباعه: هو الصراط الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهو قَصْد السبيل، وما خرج عنه فهو من السُّبُل الجائرة، قاله من قاله.

لكن الجَوْر قد يكون جَوْرًا عظيمًا عن الصراط، وقد يكون يسيرًا، وبين ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله، وهذا كالطريق الحسيّ (١)، فإن السالك قد يعدل عنه ويجور جورًا فاحشًا، وقد يجور دون ذلك، فالميزان الذي يُعرف به الاستقامة على الطريق والجور عنه: هو ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه


(١) م، ظ: «الحسن».