للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان عبد الله بن عمر يغسل داخل عينيه في الطهارة حتى عمي (١).

وكان أبو هريرة إذا توضأ أشرع في العَضُد، وإذا غسل رجليه أشرع في الساقين (٢).

فنحن إذا احتطنا لأنفسنا وأخذنا باليقين، وتركنا ما يَريب إلى ما لا يريب، وتركنا المشكوك (٣) فيه للمتيقَّن المعلوم، وتجنبنا محلّ الاشتباه، لم نكن بذلك عن الشريعة خارجين، ولا في البدعة والجِينَ، وهل هذا إلا خير من التسهيل والاسترسال؟ حتى لا يبالي العبد بدينه، ولا يحتاط له، بل يُسهِّل الأشياء ويُمَشّي حالها، ولا يبالي كيف توضأ؟ ولا بأيّ ماءٍ توضأ؟ ولا بأيّ مكان صلى؟ ولا يبالي ما أصاب ذيله وثوبه، ولا يسأل عما عهد، بل يتغافل، ويحسّن ظنه، فهو مهمل لدينه لا يبالي ما شك فيه؛ ويحمل الأمور على الطهارة، وربما كانت أفحش النجاسة، ويدخل بالشك ويخرج بالشك، فأين هذا ممن استقصى في فعل ما أُمر به، واجتهد فيه، حتى لا يُخِلّ بشيء منه، وإن زاد على المأمور فإنما قصده بالزيادة تكميل المأمور، وأن لا ينقص منه شيئًا!


(١) روى مالك (١٠٠) عن نافع أن ابن عمر كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فأفرغ على يده اليمنى فغسلها، ثم غسل فرجه، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ونضَح في عينيه ... ورواه عبد الرزاق (١/ ٢٥٩) ومسدد ـ كما في المطالب العالية (١٦٦) ـ والبيهقي في الكبرى (١/ ١٧٧، ٢٠١) من طرق عن نافع عن ابن عمر قال: كان إذا اغتسل من الجنابة نضَح الماء في عينيه، وصححه ابن حجر، وليس عند أحدٍ منهم أنه عمي بسبب ذلك.
(٢) أخرجه مسلم (٢٤٦) عنه.
(٣) م: «السلوك» تحريف.