للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعبودهم به في الإلهية، وهذا التشبيه هو أصل عبادة الأصنام، فأعرض عنه وعن بيان بطلانه أهل الكلام، وصرفوا العناية إلى إنكار تشبيهه بالخلق الذي لم تُعرف أمةٌ من الأمم عليه، وبالغوا فيه، حتى نفوا به عنه صفات الكمال.

وهذا موضع مهمٌّ نافع جدًّا، به يُعرف الفرق بين ما نَزّه الرب سبحانه نفسه عنه، وذمّ به المشركين المشبِّهين العادلين به خلقه، وبين ما ينفيه الجهمية المعطلة من صفات كماله، ويزعمون أن القرآن دلّ عليه وأُريد به نفيه.

والقرآن مملوءٌ من إبطال أن يكون في المخلوقات [١٤٤ أ] ما يُشبه الرب تعالى أو يماثله، فهذا هو الذي قُصد بالقرآن إبطالًا لما عليه المشركون والمشبهون العادلون بالله تعالى غيره.

قال تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٢]، وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٦٥].

فهؤلاء جعلوا المخلوق مِثْلًا للخالق، فالنِّدُّ: الشّبْهُ، يقال فلان نِدُّ فلان ونديده، أي: مثله وشبهه، ومنه قول حسان بن ثابت (١):

أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِنِدٍّ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِداءُ

ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن قال له: ما شاء الله وشئت: «أجعلتني له نِدًّا؟» (٢).


(١) في ديوانه (ص ٧٦) طبعة حنفي حسنين.
(٢) رواه ابن أبي شيبة (٥/ ٣٤٠، ٦/ ٧٤) وأحمد (١/ ٢١٤، ٢٢٤، ٢٨٣، ٣٤٧) والبخاري في الأدب المفرد (٧٨٣) والنسائي في الكبرى (١٠٨٢٥) وابن ماجه (٢١١٧) وابن أبي الدنيا في الصمت (٣٤٢) والطحاوي في شرح المشكل (١/ ٢١٨) والطبراني في الكبير (١٢/ ٢٤٤) وأبو نعيم في الحلية (٤/ ٩٩) وغيرهم من طرق عن الأجلح الكندي عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس مرفوعا، وقيل: عن الأجلح عن أبي الزبير عن جابر، والأجلح مختلف فيه، وصححه ابن القيم في المدارج (١/ ٣٤٤) وفي الجواب الكافي (ص ٩٣)، وحسنه العراقي في المغني (٣٠٦٦)، وهو في السلسلة الصحيحة (١٣٩). وفي الباب عن جابر بن سمرة وحذيفة وقُتيلة رضي الله عنهم.