للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك المحبة فإن محبة المخلوق إذا لم تكن لله فهي عذاب للمُحبِّ ووبال عليه، وما يحصل له بها من التألُّم أعظمُ ممَّا يحصل له من اللذة، وكلما كانت أبعدَ عن الله كان ألمها وعذابها أعظم.

هذا إلى ما في محبته من الإعراض عنك، والتَّجنِّي عليك، وعدم الوفاء لك إما لمزاحمة غيرك من المحبِّين له، وإما لكراهته ومعاداته لك، وإما لاشتغاله عنك بمصالحه وما هو أحبُّ إليه منك، وإما لغير ذلك من الآفات.

[١٣٧ أ] وأما محبة الرب سبحانه فشأنها غير هذا الشأن، فإنه لا شيء أحبُّ إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليُّها ومولاها، وربّها ومدبرها ورازقها، ومميتها ومحييها، فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس، وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن.

فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزاكية أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسرُّ، ولا أنعم، من محبَّته والأنس به والشوق إلى لقائه.

والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتَمّ من كل نعيم، واللذة التي تَناله أعلى من كل لذة، كما أخبر بعض الواجدين عن حاله بقوله: إنه ليَمُرّ بي (١) أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب (٢).

وقال آخر: إنه ليمرُّ بالقلب أوقات، يَهتزّ فيها طربًا بأنسه بالله وحبِّه له (٣).


(١) كذا في م. وفي بقية النسخ: «بالقلب».
(٢) تقدّم تخريجه.
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٦٤٧، ٢٨/ ٣١).