وإذا رأوه مؤمنًا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، ولقائه (١)، متقيِّدًا بشريعة الإسلام، نسبوه إلى الجهل والغباوة، فإن كان ممن لا يشكُّون في فضيلته ومعرفته، نسبوه إلى التلبيس والتنميس بناموس الدِّين، استمالةً لقلوب العوامِّ.
فالزندقة والإلحاد عند هؤلاء جزء من مسمى الفضيلة أو شرط.
ولعلّ الجاهل يقول: إنا تحامَلْنا عليهم في نسبة الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله إليهم، وليس هذا من جهله بمقالات القوم، وجهله بحقائق الإسلام ببعيد.
فاعلم أن الله ــ سبحانه وتعالى عما يقولون ــ عندهم كما قرّره أفضلُ متأخِّريهم ولسانهم وقدوتهم الذي يقدِّمونه على الرسل أبو علي بن سينا هو: الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وليس له عنده صفة ثبوتية تقوم به، ولا يفعل شيئًا باختياره البتة، ولا يعلم شيئَا من الموجوادت أصلًا، لا يعلم عدد الأفلاك، ولا شيئًا من المغَيَّبات، ولا له كلامٌ يقوم به، ولا صفةٌ.
ومعلوم أن هذا إنما هو خيالٌ مقدَّر في الذهن، لا حقيقة له، وإنما غايَتُهُ أن يفرضه الذّهن ويقَدّره، كما يفرض الأشياء المقدّرة، [١٥٢ أ] وهذا ليس هو الربّ الذي دعت إليه الرُّسل وعرفته الأمم، بل بين هذا الرب الذي دعت إليه الملاحدة وجرّدته عن الماهيّة، وعن كل صفة ثُبوتية، وكل فعلٍ اختياريٍّ، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل به ولا مباين له، ولا فوقه ولا تحته، ولا أمامه ولا خلفه، ولا عن يمينه ولا عن شماله، وبين ربّ العالمين وإله المرسلين من الفَرق ما بين الوجود والعدم والنفي والإثبات.