فيها تحريم ما خصّه بالتحريم؟ وهو لحوم الإبل وألبانُها خاصة؟
وإذا كان إنما حرّم هذا وحده، وكان ما سواه حلالًا له ولبنيهِ، وقد حرّمت التوراة كثيرًا منه، ظهر كذبكم وافتراؤكم في إنكار نسخ الشرائع، والحَجْر على الله تعالى في نسخها.
فتأمل هذا الموضع الشريف، الذي حامَ حوله أكثرُ المفسرين، وما أوردوه.
وهذا أولى من احتجاج كثير من أهل الكلام عليهم بأن التوراة حَرّمت أشياء كثيرةً من المناكح، والذبائح، والأفعال، والأقوال، وذلك نسخٌ لحكم البراءة الأصلية فإن هذه المناظرة ضعيفة جدًا فإن القوم لم ينكروا رَفْع البراءة الأصلية بالتحريم والإيجاب إذ هذا شأن كل الشرائع، وإنما أنكروا تغيير ما أباحه الله تعالى، فيجعله حرامًا، أو تحليل ما كان حرمه، فيجعله مباحًا، وأما رفع البراءة والاستصحاب فلم ينكره أحد من أهل الملل.
ثم يقال لهذه الأمة الغضبية: هل تُقرّون أنه كان قبل التوراة شريعة أم لا؟ فهم لا ينكرون أن يكون قبل التوراة شريعة.
فيقال لهم: فهل رفعت التوراة شيئًا من أحكام تلك الشرائع المتقدمة أم لا؟
فإن قالوا: لم تَرْفع شيئًا من أحكام تلك الشرائع، فقد جاهروا بالكذب [١٦٨ أ] والبَهْتِ.
وإن قالوا: قد رفعت بعض الشرائع المتقدمة، فقد أقرُّوا بالنسخ قطعًا.