وهذا وإن كان مرسلًا فإنه صالح للاعتضاد به بالاتفاق، وله من المسندات ما يشهد له، وهي الأحاديث الدالة على تحريم العِينة (١).
فإنه من المعلوم أن العينة عند مُسْتحِلِّها إنما يسميها بيعًا، وفي هذا الحديث بيانُ أنها ربًا لا بيع؛ فإن الأمة لم يستحلَّ أحد منها الرِّبا الصريح، وإنما استُحِلَّ باسم البيع وصورته، فصوّروه بصورة البيع، وأعاروه لفظه.
ومن المعلوم أن الربا لم يُحَرَّم لمجرد صورته ولفظه، وإنما حُرِّم لحقيقته ومعناه ومقصوده، وتلك الحقيقة والمعنى والمقصود قائمة في الحِيَل الرِّبوية، كقيامها في صريحه سواءً، والمتعاقدان يعلمان ذلك من أنفسهما، ويعلمه من يشاهد حالهما، والله يعلم أن قصدهما نفسُ الربا، وإنما توسّلا إليه بعقدٍ غير مقصود، وسمّياه باسم مستعار غير اسمه.
ومعلوم أن هذا لا يرفع التحريم، ولا يرفع المفسدة التي حُرِّم الربا لأجلها، بل يزيدها قوة وتأكيدًا من وجوه عديدة:
منها: أنه يُقدِم على مُطالبة الغريم المحتاج بقوة، لا يقدم بمثلها المُرْبي صريحًا؛ لأنه واثق بصورة العقد واسمه.
ومنها: أنه يطالِبُه مطالبةَ من يعتقد حلّ تلك الزّيادة وطِيبها، بخلاف
(١) منها حديث ابن عمر الذي أخرجه أحمد (٢/ ٨٤) وأبو داود (٣٤٦٢)، وهو حديث صحيح.