ومنها: اعتقاده أن ذلك تجارة حاضرة مُدارَةٌ، والنفوس أرغبُ شيء في التجارة، فهو في ذلك بمنزلة من أحَبّ امرأة حبًّا شديدًا، ويمنعه من وصالها كونُها مُحَرَّمَةً عليه، فاحتال إلى أن أوقع بينه وبينها صورة عقد لا حقيقة له، يأمن به من بَشاعة الحرام وشناعته، فصار يأتيها آمنًا، وهما يعلمان في الباطن أنها ليست زوجته، وإنما أظهرا صورة عقد يتوصّلان به إلى الغرض.
ومن المعلوم أن هذا يزيد المفسدة التي حَرّم الحكيمُ الخبير لأجلها الزنى والربا قوةً؛ فإن الله سبحانه وتعالى حرّم الربا لما فيه من ضرر المحتاج، وتعريضه للفقر الدائم، والدَّين اللازم الذي لا يَنْفَكّ عنه، وتوَلُّد ذلك وزيادته إلى غاية تجتاحه، وتَسْلُبه متاعه وأثاثه وداره، كما هو الواقع في الواقع.
فالربا أخو القمار الّذي يجعل المقمور سليبًا حزينًا مَحْسورًا.
فمن تمام حكمة الشريعة الكاملة المنتظمة لمصالح العباد: تحريمه وتحريم الذريعة الموصلة إليه، كما حَرّم التفرّق في الصرف قبل القبض، وأن يبيعَه دِرْهَمًا بدرهمٍ إلى أجل، وإن لم يكن هناك زيادة، فكيف يُظنّ بالشارع مع كمال حكمته أن يُبيح التحيُّل والمكرَ على حصول هذه المفسدة، ووقوعها زائدةً متضاعفة بأكل المحتال فيها مال المحتاج أضعافًا مضاعفة؟
ولو سلك مثلَ هذا بعضُ الأطباء مع المرضى لأهلكهم؛ فإن ما حرّم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من المحرمات؛ إنما هو حِمْيَةٌ لحفظ صحة القلب، وقوة الإيمان، كما أن ما يمنع منه الطبيبُ مما يَضُرّ المريض حِمْيةٌ له، فإذا احتال