ــ وحاشا لله ــ تَضَمّن تحريم المباح في الشريعة الأولى تحريمُ المصالح، وكلاهما باطل قطعًا.
فإذا جاز أن تأتي شريعة التوراة بتحريم ما كان إبراهيم ومَنْ تَقَدَّمهُ يستبيحه، فجائزٌ أن تأتي شريعة أخرى بتحليل بعض ما كان في التوراة محظورًا.
وهذه الشبهة الباطلة الداحضة هي التي رَدّتْ بها الأمة الغضبيةُ نُبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، هي بعينها التي رَدّ بها أسلافُهم نبوة المسيح، وتوارثوها كافرًا عن كافر، وقالوا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، كما قال أسلافهم للمسيح: لا نُقِرّ بنبوة من غيَّر شريعة التوراة.
فيقال لهم: فكيف أقررتم لموسى بالنبوة، وقد جاء بتغيير بعض شرائع مَنْ تقدَّمه؟ فإن قَدَحَ ذلك في المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام قدح في موسى، فلا تقدحون في نبوّتهما بقادح إلا ومثله في نبوة موسى سواءً، كما أنكم لا تثبتون نبوّة موسى ببرهان إلا وأضعافُه شاهد على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -!
فمِن أبين المُحال: أن يكون موسى رسولًا صادقًا، ومحمدٌ ليس برسول، أو يكون المسيح رسولًا، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ليس برسول.
ويقال للأمة الغضبية أيضًا: لا يخلو المحرَّم إما أن يكون تحريمه لعَيْنِه وذاته بحيث تمتنع إباحته في زمان من الأزمنة، وإما أن يكون تحريمه لما تَضَمّنه من المفسدة في زمان دون زمان، ومكان دون مكان، وحال دون حال.