قال ابن إسحاق (١): وكان عمرو بن الجموح سيدًا من سادات بني سلمة، وشريفًا من أشرافهم، وكان قد اتخذ في داره صنمًا من خشب يقال له: مَناة، فلما أسلم فِتيان بنى سلمة: معاذ بن جبل وابنه معاذ بن عمرو، وغيرهم ممن أسلم وشهد العَقَبة، وكانوا يُدلِجون بالليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه، فيطرحونه في بعض حُفَرِ بني سلمة، وفيها عَذِرات الناس مُنَكَّسًا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم! مَنْ عدا على إلاهتنا هذه الليلة؟ قال: ثم يغدو يلتمسه، حتى إذا وجده غسله وطَهّره وطيَّبه، ثم قال: والله لو أعلم من فعل هذا بك لأُخْزِينّه، فإذا أمسى ونام عَدَوا ففعلوا بصنمه مثل ذلك، فيغدو يلتمسه، فيجد به مثل ما كان فيه من الأذى، فيغسله ويطهره ويطيبه، فيعدون عليه إذا أمسى، فيفعلون به ذلك، فلما طال عليه استخرجه من حيث ألْقَوْهُ، فغسله وطهره وطيبه، ثم جاء بسيفه، فعلقه عليه، ثم قال [١٤١ ب] له: والله إني لا أعلم مَنْ يصنَعُ بك ما ترى، فإن كان فيك خيرٌ فامتنع، فهذا السيف معك، فلما أمسى ونام عَدَوا عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبًا ميتًا، فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سَلمة، فيها عَذِرٌ من عَذر الناس، وغدا عمروٌ، فلم يجده في مكانه الذي كان به، فخرج يتَّبعه، حتى وجده في تلك البئر مُنكَّسًا، مقرونًا بكلب ميتٍ، فلما رآه أبصر شأنه، وكلّمه مَنْ أسْلَمَ من قومه، فأسلم، وحسن إسلامه، فقال حين أسلم وعَرَف من الله ما عرف، وهو يذكر صنمه ذلك، وما أبصر من أمره، ويشكر الله إذ أنقذه مما كان فيه من العَمَى والضلالة: