والبصيرُ الذي نوّر الله بصيرته بنور الإيمان والمعرفة إذا عرف حقيقة ما عليه أكثرُ هذا الخلق، وكان ناقدًا لا يروجُ عليه الزّغلُ، تبين له أنهم داخلون تحت حكم هذه الآية، وهي منطبقة عليهم.
فالفاسقُ يستمتع بالشيطان، بإعانته له على أسباب فسوقه، والشيطانُ يستمتع به في قبوله منه، وطاعته له، فيسُرّه ذلك، ويفرحُ به منه.
والمشرك يستمتع به الشيطان، بشركه به، وعبادته له، ويستمتع هو بالشيطان في قضاء حوائجه، وإعانته له.
ومَنْ لم يُحِط علمًا بهذا لم يعلم حقيقة الإيمان والشرك، وسرّ امتحان الرب سبحانه كُلًّا من الثقلين بالآخر.
ثم قالوا:{وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا}، وهو يتناول أجلَ الموت وأجل البعث، فكلاهما أجلٌ أجّله الله تعالى لعباده، وهما الأجَلان اللذان قال الله فيهما:{قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}[الأنعام: ٢].
وكأن هذا والله أعلم إشارةٌ منهم إلى نوع استعطاف وتوبة، فكأنهم يقولون: هذا أمر قد كان إلى وقت، وانقطع بانقطاع أجله، فلم يستمرّ، ولم يدُم، فبلغ الأمر الذي كان أجَلُه، وانتهى إلى غايته، ولكل شيء آخرٌ، فقال تعالى:{النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا}، فإنه وإن انقطع زمنُ التمتع وانقضى أجله، فقد بقي زمنُ العقوبة، فلا يُتَوهّم أنه إذا انقضى زمن الكفر والشرك، وتمتع بعضكم ببعض، أن مفسدته زالت بزواله، وانتهت بانتهائه.
والمقصود أن الشيطان تلاعب بالمشركين، حتى عبدوه، واتخذوه وذريته أولياء من دون الله.