للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفعل به وفْدُ البيت الحرام؟ ثم عَفّروا لَدَيْه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تُعفَّر كذلك بين يديه في السجود، ثم كمّلوا مناسك حج القبر بالتقصير هناك والحِلاق، واستمتعوا بخَلاقهم من ذلك الوثن؛ إذ لم يكن لهم عند الله من خَلاق، وقربوا لذلك الوثن القرابين، وكانت صلاتُهم ونُسكهم وقُربانهم لغير الله رب العالمين، فلو رأيتهم يُهنِّئ بعضهم بعضًا، ويقول: أجزل الله لنا ولكم أجرًا وافرًا وحظًّا، فإذا رجعوا سألهم غلاة المتخلِّفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحجة المتخلف إلى البيت الحرام، فيقول: لا، ولو بحجِّك كل عام.

هذا؛ ولم نتجاوز فيما حكينا عنهم، ولا [٥٥ ب] استقصينا جميع بِدَعهم وضلالهم؛ إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، وهذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح كما تقدم، وكل من شَمَّ أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أن من أهمّ الأمور: سَدّ الذريعة إلى هذا المحظور، وأن صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما نهى عنه وما يؤول إليه، وأحكمُ في نَهْيه عنه وتوعُّده عليه، وأن الخير والهُدَى في اتباعه وطاعته، والشرّ والضلال في معصيته ومخالفته.

ورأيتُ لأبي الوفاء بن عَقيل في ذلك فصْلًا حسنًا (١)، فذكرته بلفظه، قال:

لما صعُبت التكاليف على الجهّال والطَّغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاعٍ وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم. قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور


(١) انظر: تلبيس إبليس (ص ٤٠٢).