ثم لو فَهِمَ عبد الرزاق هذا، وأنه في يمين المكَرهِ، لم تكن الحجة في فهمه، بل الأخذُ بروايته، وأيّ فائدةٍ في تخصيص الحلف بالطلاق بذلك؟ بل كل مكره حلف بأيّ يمين كانت فيمينه ليست بشيء.
أما عِكْرمة (١) فقال سُنيد بن داود في «تفسيره»: حدثنا عَبّاد بن عَبَّاد المهلَّبي، عن عاصم الأحْوَل، عن عكرمة، في رجل قال لغلامه: إن لم أجْلِدك مئة سَوْطٍ فامرأتي طالقٌ؟ قال: لا يَجلد غلامه، ولا يُطلّق امرأته، هذا من خُطوات الشيطان.
فإذا ضممت هذا الأثر إلى أثر ابن طاوس عن أبيه، إلى أثر ابن عباس فيمن قالت لمملوكها: إن لم أُفرّق بينك وبين امرأتك فكل مملوك لي حُرّ، إلى الآثار المستفيضة عن ابن عباس في الحلف بتحريم الزوجة أنها يمينٌ يُكفّرها: تَبيّن لك ما كان عليه ابنُ عباس وأصحابُه في هذا الباب.
فإذا ضممت ذلك إلى آثار الصحابة في الحلف بالتعليقات كالحج، والصوم، والصدقة، والهَدْي، والمشي إلى مكة حافيًا، ونحو ذلك أنها أيمانٌ مُكفِّرة، تبيّن لك حقيقة ما كان عليه الصحابة في ذلك.
فإذا ضممتَ ذلك إلى القياس الصحيح الذي يستوي فيه حكم الأصل والفرع، تبيّن لك توافُقُ القياس وهذه الآثار.
فإذا ارتفعت درجةً أخرى، ووزَنَت ذلك بالنصوص من القرآن والسنة، تَبيّن لك الراجحُ من المرجوح.
(١) ذكره بهذا الإسناد الذهبي في سير أعلام النبلاء (٥/ ٣٦)، وقال: «هذا واضح في أنَّ عكرمة كان يرى أن اليمين بالطلاق في الغضب من نزغات الشيطان، فلا يقع بذلك طلاق».