للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن تلاعبه بهم أيضًا: أنهم كانوا يقتلون الأنبياء الذين لا تُنالُ الهداية إلا على أيديهم، ويتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله تعالى، يُحَرّمون عليهم ويُحِلّون لهم، فيأخذون بتحريمهم وتحليلهم، ولا يلتفتون: هل ذلك التحريمُ والتحليل من عند الله تعالى أم لا؟

قال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: ٣١]، فقلت: يا رسول الله! ما عبدوهم فقال: «حرّموا عليهم الحلال، وأحلُّوا لهم الحرام، فأطاعوهم، فكانت تلك عبادتهم إيَّاهم». رواه الترمذي، وغيره (١).

وهذا من أعظم تلاعب الشيطان بالإنسان: أن يَقتل أو يُقاتل مَنْ هُداه على يده، ويتخذ مَنْ لم تُضْمَنْ له عصمته نِدًّا لله، يحرِّم عليه، ويُحَلِّلُ له

ومن تلاعبه بهم: ما كان منهم في شأن زكريا ويَحْيى عليهما السلام، وقتلهم لهما، حتى سلّط الله عليهم بُخْتَنَصّر، وسَنْجاريب، وجنودَهما، فنالوا منهم ما نالوه.


(١) سنن الترمذي (٣٠٩٥) من طرق عن عبد السلام بن حرب عن غطيف بن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم، وبهذا الإسناد رواه البخاري في التاريخ الكبير (٧/ ١٠٦)، والطبري في تفسيره (١٦٦٣١، ١٦٦٣٢، ١٦٦٣٣)، وابن أبي حاتم في تفسيره (١٠٠٥٧)، والطبراني في الكبير (١٧/ ٩٢)، والبيهقي في الكبرى (١٠/ ١١٦)، وغيرهم، قال الترمذي: «هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث»، وله طرق أخرى، منها ما عند ابن سعد في الطبقات (٢٨٩ ــ الجزء المتمم ـ) من طريق أبان بن صالح عن عامر بن سعد عن عدي بنحوه، وقد حسنه ابن تيمية كما في المجموع (٧/ ٦٧)، والألباني في السلسلة الصحيحة (٣٢٩٣).