للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدِّين الحق ويَنْصُره، وقد لا يجعلُ له العاقبة في الدنيا بوجهٍ من الوجوه، بل يَعيشُ عُمُرَهُ مظلومًا مقهورًا مُسْتضامًا، مع قيامه بما أُمِرَ به ظاهرًا وباطنًا، وانتهائه عما نُهِيَ عنه باطنًا وظاهرًا.

فهو عند نفسه قائمٌ بشرائع الإسلام وحقائق الإيمان، وهو تحت قَهْر أهل الظلم والفجور والعُدْوان.

فلا إله إلا الله، كم فَسد بهذا الاغترار مِنْ عابدٍ جاهلٍ! ومُتَدَين لا بصيرة له! ومُنْتسب إلى العلم لا مَعْرِفة له بحقائق الدين!

فإنه من المعلوم أن العبدَ وإن آمَن بالآخرة، فإنه طالبٌ في الدنيا لما لا بُدّ له منه من جَلْبِ النّفْع ودَفع الضرر، بما يعتقدُ أنه مُسْتَحَبّ أو واجب أو مباحٌ، فإذا اعتقد أن الدِّينَ الحقّ واتّباع الهدى والاستقامة على التوحيد ومتابَعة السّنة: ينافي ذلك، وأنه يُعادي جميع أهل الأرض، ويتعرّضُ لما لا يقدر عليه من البلاء، وفوات حظوظه ومنافعه العاجلة، لزم من ذلك إعراضه عن الرغبة في كمال دينه، وتجرُّده لله ورسوله، فيُعْرِضُ قلبه عن حال السابقين المقرّبين، [١٣٢ ب] بل قد يُعْرِضُ عن حال المقتصدين أصحاب اليمين، بل قد يدخُل مع الظالمين، بل مع المنافقين، وإن لم يكن هذا في أصل الدِّين كان في كثيرٍ من فُروعه وأعماله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

«بادِرُوا بالأعمال فِتنًا كقطع الليل المُظلم، يُصبحُ الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويُصبح كافرًا، يبيع دينَه بعرضٍ من الدنيا» (١).

وذلك أنه إذا اعتقد أن الدِّين الكامل لا يحصلُ إلا بفساد دُنياه، من


(١) أخرجه مسلم (١١٨) عن أبي هريرة.