والمقصود أن محبة الظلم والعدوان سببها فسادُ العلم، أو فساد القصد، أو فسادهما جميعًا.
وقد قيل: إن فساد القَصْدِ من فساد العلم، وإلا فلو عَلِمَ ما في الضارّ من المضرّة ولوازمها حقيقةَ العلم لما آثره، ولهذا مَن علم مِنْ طعامٍ شَهِيٍّ لذيذ أنه مسموم فإنه لا يُقْدِمُ عليه، فضعْفُ علمه بما في الضارِّ من وجوه المضرة، وضعفُ عَزمه على اجتنابه يوقعه في ارتكابه، ولهذا كان الإيمان الحقيقي هو الذي يحمل صاحبه على فعل ما ينفعه، وترك ما يَضُرُّهُ، فإذا لم يفعل هذا ولم يترك هذا، لم يكن إيمانه على الحقيقة، وإنما معه من الإيمان بحسب ذلك.
فإن المؤمن بالنار حقيقةَ الإيمان حتى كأنه يراها، لا يسلك طريقها الموصلة إليها، فضلًا عن أن يسعى فيها بجهده.
والمؤمن بالجنة حقيقةَ الإيمان لا تطاوعه نفسُه أن يقعدَ عن طلبها، وهذا أمر يجدُه الإنسانُ في نفسه فيما يسعى فيه في الدنيا من المنافع، أو التخلُّص منه من المضارّ.
فصل
إذا تبيَّن هذا، فالعبدُ أحوجُ شيء إلى معرفة ما يَضُرّه ليجتنبه، وما يَنفَعُه ليحرصَ عليه ويفعله، فيُحبّ النافع، [١٢٢ أ] ويُبْغضَ الضارّ، فتكون محبته وكراهته موافقتين لمحبة الله تعالى وكراهته، وهذا من لوازم العبودية