للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما بخيانة وطريق محرمة فلا.

وقولكم: ليس ذلك بخيانة، قلنا: بل هو خيانة حقيقة، ولغة، وشرعًا، وقد سمَّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيانة، وغايتها أنها خيانةُ مقابلةٍ ومُقاصّةٍ، لا خيانة ابتداء، فيكون كل واحد منهما مسيئًا إلى الآخر ظالمًا له، فإن تساوت الخيانتان قدرًا وصفة فقد يتساقط إثمهما والمطالبة في الآخرة، أو يكون لكل منهما على الآخر مثل ما للآخر عليه، وإن بقي لأحدهما فضل رجع به، فهذا في أحكام الثواب والعقاب.

وأما في أحكام الدنيا فليس كذلك؛ لأن الأحكام فيها مرتبة على الظواهر، وأما السرائر فإلى الله، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بَشَرٌ، أقْضي بنحو مما أسمع، ولعلّ بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحجته من بعض، فمن قضيتُ له بشيء من حقِّ أخيه فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعةً من النار» (١).

فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه يحكم بينهم [١٠٧ أ] بالظاهر، وأعلم المبطل في نفس الأمر: أن حكمه لا يُحِلُّ له أخذ ما يُحكَم له به، وأنه مع حكمه له به فإنما يقطع له قطعة من النار، فإذا كان الحق مع هذا الخصم في الظاهر وجب على الحاكم أن يحكم له به، ويُقِرّه بيده، وإن كانت يدًا عادية ظالمة عند الله تعالى، فكيف يسوغ لخصمه أن يحكم لنفسه، ويستوفي لنفسه بطريق محرمة باطلة، لا يحكم بمثلها الحاكم، وإن كان محقًّا في نفس الأمر؟

وليس هذا بمنزلة من رأى عين ماله أو أمَتِهِ أو زوجته بيد غاصب ظالم،


(١) أخرجه البخاري (٧١٦٩)، ومسلم (١٧١٣) عن أم سلمة.