وأما قصة أيوب عليه السلام فلها فقهٌ دقيق؛ فإن امرأته كانت لشِدّة حرصها على عافيته وخَلاصِه من دائه، تلتمسُ له الدواء بما تقدِرُ عليه، فلما لَقِيَها الشيطانُ وقال ما قال أخبرت أيوب عليه السلام بذلك، فقال: إنه الشيطانُ، ثم حلف لئن شفاه الله تعالى ليَضربَنّها مئة سوط، فكانت معذورةً محسنةً في شأنه، ولم يكن في شرعهم كَفّارةٌ؛ فإنه لو كان في شَرْعهم كفارة لعدَل إلى التكفير، ولم يَحْتَجْ إلى ضَرْبِها، فكانت اليمينُ موجِبةً عندهم كالحدود، وقد ثبت أن المحدود إذا كان معذورًا خُفّفَ عنه، بأن يُجمع له مئة شمْراخ أو مئة سوط، فيُضرَب بها ضربةً واحدة، وامرأةُ أيوبَ كانت معذورة، لم تعلم أنّ الذي خاطبها الشيطانُ، وإنما قصدت الإحسانَ، فلم تكن تستحقّ العقوبة، فأفتى الله سبحانه نبيَّه أيوب عليه السلام أن يُعاملها معاملة المعذور، هذا مع رِفْقها به، وإحسانها إليه، فجمع الله له بين البرّ في يمينه، والرفق بامرأته المحسنة المعذورة، التي لا تستحقّ العقوبة.
فظهر موافقة نصّ القرآن في قصة أيوب عليه السلام لنَصّ السنة في شأنِ الضعيف الذي زَنَى، فلا يُتعدّى بهما عن مَحَلِّهِما.
فإن قيل: فقولوا هذا في نظير ذلك ممن حلفَ: ليضربنّ امرأته أو أمته [١١٢ أ] مئةً، وكانا معذورَيْنِ، لا ذنب لهما: إنه يَبَرّ بجمع ذلك في ضربة بمئة شِمراخ.
قيل: قد جعل الله له مَخْرجًا بالكفارة، ويجب عليه أن يُكفّر يمينه، ولا يعصي الله بالبر في يمينه هاهنا، ولا يحلّ له أن يبرّ فيها، بل بِرّه فيها هو حِنثه