فهم أشدّ الناس فرحًا بما آتاهم رَبُّهم من الهدى، قال تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: ٥٨]، فأمر سبحانه عباده المؤمنين المهتدين أن يَفرحوا بفَضْله ورَحمته.
وقد دارَتْ عبارات السلف على أن الفضل والرحمة هو العلم، والإيمانُ، والقرآن، واتباعُ الرسول، وهذا من أعظم الرحمة التي يَرحَمُ الله بها مَنْ يشاء من عباده، فإن الأمْنَ والعافية والسرورَ ولذةَ القلب ونعيمه وبهجته وطُمأنِينَتَهُ مع الإيمان والهدى إلى طريق الفلاح والسعادة. والخوف والهمّ والغمّ والبلاء والألم والقلق: مع الضلال والحَيْرة.
ومُثِّلَ هذا بمسافِرَيْنِ، أحدهما: قد اهتدى لطريق مقصده، فسار آمنًا مطمئنًا، والآخرُ: قد ضل الطريق فلم يَدْر أينَ يتوجّهُ؟ كما قال تعالى:{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: ٧١].
فالرحمة التي تحصل لمن حصل له الهدى هي بحسب هداه، فكلَّما كان نصيبه من الهدى أتمّ كان حظّه من الرحمة أوفر، وهذه هي الرحمة الخاصة بعباده المؤمنين، وهى غيرُ الرحمة العامة بالبَرّ والفاجر.
وقد جمع الله سبحانه لأهل هدايته بين الهدى والرحمة والصلاة عليهم، فقال تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: ١٥٧].