فلو كان المأمور بذبحه هو الولدَ الآخر لكان قد أقرّه في الأول على مزاحمة الخُلّة به مدةً طويلةً، ثم أمره بما يُزيل المُزاحم بعد ذلك، وهذا خلاف مقتضى الحكمة، فتأمَّلْهُ.
التاسع: أن إبراهيم عليه السلام إنما رُزق إسحاق عليه السلام على الكِبَرِ، وإسماعيل عليه السلام رُزِقَهُ في عُنفوانه وقوّته، والعادة أن القلب أعلقُ بأول الأولاد، وهو إليه أمْيَلُ، وله أحبّ، بخلاف من يُرْزَقُه على الكبر، ومحلُّ الولد بعد الكبر كمحلّ الشهوة للمرأة.
العاشر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتخر بقوله:«أنا ابنُ الذّبيحَيْن»(١) يعني: أباه عبد الله وجدّه إسماعيل.
والمقصود: أن هذه اللفظة مما زادوها في التوراة.
ونحن نذكر السبب الموجِبَ لتغيير ما غُيّر منها، والحق أحقُّ ما اتُّبع، فلا نغلو غُلُوّ المستهينين بها، المستجمرين بها، بل معاذَ الله من ذلك! ولا
(١) كذا ذكره الحاكم (٢/ ٦٠٩) بلا إسناد، لكن ليس فيه ذكر الافتخار، وروى الطبري في تفسيره (٢١/ ٨٥) والأموي في مغازيه كما في تفسير ابن كثير (٧/ ٣٥) والحاكم (٤٠٣٦) وابن عساكر في تاريخ دمشق (٥٦/ ٢٠٠، ٢٠١) وغيرهم من طريق عبد الله بن سعيد عن الصنابحي عن معاوية أن أعرابيا قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه، وفي إسناده اختلاف، قال القرطبي في تفسيره (١٥/ ١١٣): «سنده لا يثبت»، وقال الذهبي: «إسناده واه»، وقال ابن كثير في تفسيره (٧/ ٣٥): «هذا حديث غريب جدًا»، وضعفه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ١٠٥) وقال في فتاويه (٢/ ٣٥): «هذا حديث غريب، وفي إسناده من لا يعرف حاله»، وأبطله الألوسي في روح المعاني (٢٣/ ١٣٦)، وهو في السلسلة الضعيفة (٣٣١، ١٦٧٧).