فتأمَّل سياق هذه البشارة وتلك: تجدْهما بشارتين متفاوتتين، مَخْرَجُ إحداهما غير مخرج الأخرى.
والبشارة [١٧٥ ب] الأولى كانت له، والثانية كانت لها.
والبشارة الأولى هي التي أُمر بذبح مَنْ بُشّر به فيها، دون الثانية.
السابع: أن إبراهيم عليه السلام لم يَقدم بإسحاق إلى مكة البتة، ولم يفرّق بينه وبين أمّه، وكيف يأمره الله تعالى أن يذهب بابن امرأته، فيذبحه بموضع ضَرّتها وفي بلدها، ويدع ابن ضَرّتها؟
الثامن: أن الله تعالى لمّا اتخذ إبراهيم خليلاً، والخُلّة تقتضي أن يكون قلبه كلّه معلقًا بربه، ليس فيه شُعْبة لغيره، فلما سأل الولد وهَبَهُ إسماعيل، فتعلَّق به شُعبةٌ من قلبه، فأراد خليله سبحانه أن تكون تلك الشّعبة له، ليست لغيره من الخلق، فامتحنه بذبح ولده، فلمَّا أقدم على الامتثال خلصت له تلك الخُلَّة، وتمحّضت لله وحده، فنسخ الأمر بذبحه لحصول المقصود، وهو العزمُ وتوطينُ النفس على الامتثال.
ومن المعلوم أن هذا إنما يكون في أول الأولاد، لا في آخرها، فلما حصل هذا المقصود من الولد الأول لم يُحْتَجْ في الولد الآخر إلى مثله، فإنه لو زاحمت محبّة الولد الآخر الخُلّة لأمر بذبحه، كما أمر بذبح الأول.