للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقصِّر بالأول ويتجاوز بالثاني، كما قال بعض السلف: «ما أمر الله سبحانه بأمر إلا وللشّيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر» (١).

وقد اقتطع أكثرُ الناس إلا أقلَّ القليل في هذين الواديين: وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم جدًّا الثابتُ على الصراط الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.

فقوم قصّر بهم عن الإتيان بواجبات الطهارة، وقوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحدّ بالوسواس.

وقوم قصّر بهم عن إخراج الواجب من المال، وقوم تجاوز بهم حتى أخرجوا جميع ما في أيديهم، وقعدوا كَلًّا على الناس، مستشرفين إلى ما بأيديهم.

وقوم قصّر بهم عن تناول ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب واللباس، حتى أضرُّوا بأبدانهم وقلوبهم، وقوم تجاوز بهم حتى أخذوا فوق الحاجة، فأضروا بقلوبهم وأبدانهم.

وكذلك قصّر بقوم في حق الأنبياء وورثتهم حتى قتلوهم، وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم.

وقصّر بقوم في خُلطة الناس حتى اعتزلوهم في الطاعات، كالجمعة والجماعات والجهاد وتعلُّم العلم، وتجاوز بقوم حتى خالطوهم في الظلم والمعاصي والآثام.


(١) رواه الخطابي في العزلة (ص ٩٧) عن إبراهيم بن عبد الرحمن العنبري عن ابن أبي قماش عن ابن عائشة قوله.