ويُعظّم ويُسجدُ له، ويُحلَف باسمه، وتُقرَّب إليه القرابين، إلى غير ذلك من خصائص العبادة التي لا تنبغي إلا لله تعالى.
فكل مشرك فهو مُشَبِّهٌ إلهه ومعبوده بالله سبحانه، وإن لم يُشَبّهه به من كل وجه، حتى إن الذين وصفوه سبحانه بالنقائص والعيوب، كقولهم:
إنه فقيرٌ، وإن يده مغلولةٌ، وإنه استراح لمَّا فرغ من خلق العالم، والذين جعلوا له ولدًا وصاحبة، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا: لم يكن قصدُهم أن يجعلوا المخلوق أصلًا، ثم يشبهون به الخالق تعالى، بل وصفوه بهذه الأشياء [١٤٣ ب] استقلالًا، لا قصدًا أن يكون غيرُه أصلًا فيها وهو مشبَّه به.
ولهذا كان وصفه سبحانه بهذه الأمور من أبطل الباطل، لكونها في نفسها نقائصَ وعيوبًا، ليس جهة البطلان في اتصافه بها هو التشبيه والتمثيل، فلا يُتَوَقَّفُ في نفيها عنه على ثبوت انتفاء التشبيه، كما يفعله بعض أهل الكلام الباطل، حيث صرَّح بأنه لا يقوم دليل عقلي على انتفاء النقائص والعيوب عنه، وإنما تُنفى عنه لاستلزامها التشبيه والتمثيل.
وهؤلاء إذا قال لهم الواصفون لله سبحانه بهذه الصفات: نحن نُثبتها له على وجهٍ لا يُماثل فيها خلقه، بل نُثبت له فقرًا وصاحبةً وإيلادًا لا يماثل فيه خلقه، كما تثبتون أنتم له علمًا وقدرة وحياة وسمعًا وبصرًا لا يماثل فيه خلقه، فقولنا في هذا كقولكم فيما أثبتموه سواءً= لم يتمكنوا من إبطال قولهم، ويصيرون أكفاءً لهم في المناظرة، فإنهم قد أعْطوهم أنه لا يقوم دليل عقلي على انتفاء النقائص والعيوب، وإنما ننفي ما نُفي عنه لأجل التشبيه والتمثيل، وقد أثبتوا له صفاتٍ على وجه لا يستلزم التشبيه، فقال أولئك: وهكذا نقول نحن.